منظمة التعاون الإسلامي
الصوت الجامع للعالم الإسلامي

كلمة الأستاذ إياد أمين مدني الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي أمام الدورة الواحدة والأربعين لمجلس وزراء الخارجية

التاريخ: 18/06/2014

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى الرسل أجمعين. صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل، وزير خارجية المملكة العربية السعودية، رئيس الاجتماع. أصحاب السمو والمعالي والسعادة وزراء الخارجية ورؤساء الوفود. أصحاب السمو والمعالي والسعادة والأخوة، والأخواتـ الضيوف الكرام. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كم يشرفني أن أمثل أمامكم وأن تكون لي فرصة الحديث إليكم في هذه الجلسة الافتتاحية للإجتماع الواحد والأربعين للمجلس الوزاري لوزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي؛ وأود بداية أن أعرب عن شكر المنظمة وامتنانها للمملكة العربية السعودية على استضافتها لهذا الاجتماع، وعلى ما تحيط به الوفود المشاركة من حفاوة وترحيب، وعلى ما وفرته من إمكانات وتسهيلات لعقد هذا الاجتماع. وكذلك أن أعبر عن عرفان منظمة التعاون الإسلامي لخادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز على دعمه الدائم والشامل والمستمر للمنظمة وأهدافها ومسيرتها. ونحن إذ نهنيء المملكة العربية السعودية على توليها رئاسة المجلس الوزاري للسنة القادمة، فلابد لنا أن نذكر بالتقدير العمل الدؤوب الذي ميّز رئاسة جمهورية غينيا طوال ترؤسها للمجلس الوزاري خلال السنة المنصرمة، والدعم والمشاركة التي وجدتها الأمانة العامة للمنظمة دوما من القيادة الغينية، ومن معالي وزير خارجيتها السيد لوسين فال. أصحاب السمو والمعالي والسعادة، الأخوة والأخوات. على الرغم من قصر المدة بين آخر اجتماع للمجلس الوزاري في " كوناكري" في ديسمبر الماضي، وبين البدء في الإعداد لهذا الاجتماع، وما سبقه من اجتماعات تمهيدية، فقد خطت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي قدما نحو تجسيد الرؤى المشتركة للدول الأعضاء، والتقدم نحو الأهداف التي أقرتها اجتماعات القمة، وجلسات مجلسكم الموقر؛ كما لم تقف المنظمة ساكنة أمام المستجدات التي طرأت في مجالات عملها ومسؤولياتها. فخلال الفترة منذ الاجتماع الوزاري بكوناكري، قام الأمين العام بزيارة أكثر من عشرين دولة من الدول الأعضاء، بغية تبادل الرأي، والانصات للتقويم، والمعايشة للواقع كما هو على الطبيعة، وقد شملت تلك الزيارات بعض مناطق النزاعات مثل مالي، والضفة الغربية، وبنغلاديش ونيجيريا. على الصعيد السياسي، تمت دعوة اللجنة الوزارية التنفيذية المكونة من ثلاثية القمة وثلاثية المجلس الوزاري في اجتماع مفتوح، لإقرار كيفية التعامل مع الأزمة المستحكمة في جمهورية إفريقيا الوسطى، وتم على إثر الاجتماع اختيار ممثل خاص للأمين العام لجمهورية إفريقيا الوسطى هو السياسي البارز معالي وزير خارجية السنغال السابق الدكتور شيخ تيجاني جاديو. كما قام وفد وزاري بزيارة ميدانية شملت جمهورية إفريقيا الوسطى، والكونغو برازفيل، وتشاد. وتبع ذلك قيام وفد من تحالف المنظمات الإنسانية تحت مظلة المنظمة بزيارة المنطقة لبحث كيفية استمرار المعونات الإنسانية التي بدأتها الأمانة العامة في داخل وخارج ذلك البلد المنكوب. وتعمل الأمانة العامة على إقناع كل القيادات السياسية هناك بتوقيع وثيقة تنبذ العنف، لتكون مقدمة لحوار سياسي يفضي لحكومة وحدة وطنية، يمكن في ظلها فرض الأمن وعودة النازحين إلى ديارهم، وبعدها تقام الانتخابات. إذ لا معنى لانتخابات تجري وسط واقع التهجير والاقتتال وانتهاك الحقوق الأساسية للمواطنين. كما تم اختيار وجه سياسي بارز، وهو معالي السيد حامد البار، وزير الخارجية الأسبق في ماليزيا ليكون الممثل الخاص للأمين العام في قضية الأقلية المسلمة في "ماينمار". ونأمل أن تكون لمعرفة معاليه اللصيقة بماينمار، وإدراكه للحساسيات التي تحيط بتناول دول تلك المنطقة لهذا الملف، بما في ذلك بعض الدول الأعضاء في المنظمة، ولمعرفته الشخصية بقيادات "ميانمار"، ما يمكِّن المنظمة من تحرك أكثر جدوى وأكبر أثرا يسهم في تحقيق السلم الاجتماعي بين جميع مكونات المجتمع في "ميانمار". وأن تشمل جهوده تنظيم منصات للحوار بين علماء ومفكري المسلمين، وأندادهم من البوذيين، وكذلك بين منظمات المجتمع المدني، للتأكيد على المشترك التاريخي والقيم المتشابهة. كما استمرت الأمانة العامة في متابعتها للأزمة في شمال مالي، وقد كانت شاهدا على اتفاقية "وغادوغو" التي بلورت خارطة للطريق تبدأ بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية في مالي، يتبعها جولة من المفاوضات بين الحكومة الجديدة وفصائل المعارضة، وهو الأمر الذي ما زالت الأمانة العامة تعمل وتسعى وتتابع من أجل البدء فيه، وهي في ذلك تدرك التنوع والخلاف الذي يفصل بين فصائل المعارضة، كما تتفهم أولويات الحكومة المالية الجديدة؛ وأن أزمة شمال مالي هي أزمة يجمعها سياقها مع ما يحدث في منطقة الساحل وبعض دول شمال إفريقيا. كما تأخذ المنظمة في الحسبان اختلاف نظرة الدول المؤثرة في الإقليم حول كيفية إنهاء ذلك النزاع، الذي ترى المنظمة أن يكون حله سياسيا وتنمويا جنبا إلى جنب مع البعد الأمني. ويظل معالي السيد جبريل باسولي، وزير خارجية بوركينا فاسو ممثلا خاصا للأمين العام في ملف شمال مالي ودول الساحل الإفريقي. ويسعدنا أن يكون وزير المصالحة الوطنية، وزير الخارجية السابق في مالي، معالي السيد ذهبي ولد سيدي محمد معنا اليوم رئيسا لوفد مالي في هذا الاجتماع. وأشكر لكم سمو الأمير على تفضلكم بإتاحة الفرصة لأصحاب المعالي المبعوثين الخاصين الثلاثة للتحدث لاحقا، وبإيجاز، لهذا الاجتماع. كما بادر الأمين العام بزيارة العاصمة النيجرية، وزيارة مدينة "ماديغري" في ولاية بورنو في الشمال الشرقي من للبلاد، للوقوف على الواقع السياسي والجغرافي والمجتمعي لحركة "بوكو حرام". وقناعة الأمانة العامة تتلخص في أن مجابهة هذه الحركة الانفصالية التي تأخذ بالعنف والترويع والقتل، يبدأ بنفي إسلاميتها، فمعظم ضحاياها من المسلمين وهي تدمر المساجد وقتلت أحد الأمراء التاريخيين في شمال نيجيريا؛ وبحرمانها من بؤر دعمها؛ وبتوجيه انفاق وطني أكبر للتنمية في تلك المناطق من نيجيريا؛ وبوقوف الدول الأعضاء عضدا لنيجيريا في مواجهتها الأمنية والاقتصادية لحركة "بوكو حرام" والبيئة التي انطلقت منها. كما أن ما يظهر عند "بوكو حرام" من إمكانات فنية ولوجستية ومادية يدفع على التفكير في مصادر دعم وتمكين هذه الحركة ولأي غرض. وتظل بقية مناطق الأزمات والصراعات ذات الصلة بالدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي ماثلة أمامنا. فأهل جامو وكشمير ما زالوا محرومين من حق تقرير المصير، ونأمل أن لا يكون في القيادة السياسية التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الهند، ما يزيد من العنت الذي يواجهه أهل كشمير، والسد الذي يوضع أمام حقهم الأساسي في تقرير مصيرهم. كما أن الوضع في إقليم ناغورنو كراباخ والاحتلال الأرمني لنحو ربع مساحة أذربيجان ما زال يراوح مكانه، وتتطلع الأمانة العامة أن يكون لها إسهام في تحريك الوضع الساكن هناك، متى ما رأت أذربيجان مناسبة ذلك، وندعو جميع الدول الأعضاء أن يكون موقفها داعما ومؤيدا للحقوق الأصيلة لأذربيجان في هذا النزاع. كما أن تداعيات الموقف السياسي والأمني في كل من ليبيا والعراق وسوريا تطل علينا بقوة، ولعل في مداولات هذا الاجتماع ما يبلور موقفا جماعيا، ومقاربة سياسية متفق عليها تجعل من المنظمة، وخاصة أن معظم الدول ذات الصلة بهذه التداعيات من أعضائها، منصة ومنطلقا مكينا لبلورة هذه المقاربات والمناداة بها. والعالم الإسلامي والدول الأعضاء في المنظمة هي الأقرب والأقدر على مواجهة ما يدور في داخل إقليمها من صراع ومواجهات. وتظل القضية الفلسطينية وواقع القدس الشريف، ومعاناة المقدسيين، والمخاطر التي يتعرض لها المسجد الأقصى ثالث ثلاثة مساجد يشد لها الرحال، في مكانة القلب من اهتمامات المنظمة. وليس في مقدوري أن أضيف على ما تفضل بعرضه وبيانه فخامة الرئيس محمود عباس في كلمته أمامكم؛ إلا أن الأمانة العامة تظل تعمل بكل طاقاتها، وعبر كل أجهزتها وقنواتها لخدمة هذه القضية الأم. وترى الأمانة العامة أن المنعطف المفصلي التي تقف عليه القضية الفلسطينية اليوم، يحتم علينا أن نضيف إلى كل ما تقوم به الدول الأعضاء لخدمة القضية على الصعيد الدولي والإقليمي والوطني، وسائل جديدة في هذا الصراع. ومن ذلك المتابعة القانونية لإسرائيل عبر ذراع قانوني مهني قادر، لإعداد ملفات تمكِّن من عرض تجاوزاتها وانتهاكاتها وسجل مسؤوليها وقادتها على المحكمة الجنائية الدولية؛ وأيضا لإكمال ملف الدولة العنصرية "الأبارتايد" عليها ليتم تعامل المجتمع الدولي معها على هذا الأساس. كما تدعو الأمانة العامة إلى فتح الباب وتشجيع ألوف المسلمين، بل عشرات ألوفهم ومئات ألوفهم لزيارة القدس الشريف والصلاة في المسجد الأقصى؛ إثباتا لمكانة الأقصى في قلوب وأفئدة وضمير الأمة، وتوثيقا لحق المسلمين في القدس والأقصى، وتأكيدا لمكانة الأقصى في الهوية الإسلامية، ودعما للقدس والمقدسيين. وفي منطقة صراع أخرى، في جنوب الفلبين، حيث ما زال شعب البنغسامورو المسلم هناك يصارع من أجل إثبات هويته وتأكيد تاريخه وحقوقه، فإن الأمانة العامة وفي ضوء الاتفاق الذي وقعته الجبهة الإسلامية لتحرير مورو مع الحكومة الفلبينية مؤخرا برعاية من دولة ماليزيا، وبحضور وشهادة بعض الدول الأعضاء، وهو الاتفاق الذي تعارضه الجبهة الوطنية لتحرير مورو بجميع فصائلها، كما أن النصوص المعلنة للاتفاق الجديد لا تذكر أو تؤسس بصراحة على اتفاقيتي طرابلس في 1976، وجاكرتا في 1997، - وهما الاتفاقيتان اللتان تؤسسان لموقف المنظمة من ذلك الصراع – في ضوء ذلك بذلت الأمانة العامة كل جهدها للجمع بين الجبهتين، وقد اجتمعتا بالفعل منذ أيام في جدة وتوصلتا إلى مذكرة تفاهم نأمل أن تكون أساسا لتجسير الفجوة بينهما، ولتأسيس جبهة وطنية موحدة تتابع تنفيذ الاتفاق الجديد، وتسعى إلى وصله بما سبق من اتفاقيات أغفلتها الحكومة الفلبينية. وفي هذا السياق فإن دعم التقريب بين الجبهتين، والمتابعة القانونية والسياسية لتنفيذ الاتفاق الجديد والتزام الحكومة الفلبينية بنصه وروحه؛ لا مناص منه إن أردنا لشعب بنغسامورو المسلم في الفلبين أن يحصل على أبسط حقوقه. وعلى صعيد آخر ترقب الأمانة العامة وتتابع تطورات الوضع في شبه جزيرة القرم، وتأمل أن لا تمس التطورات الأخيرة حقوق التتار المسلمين هناك سياسيا أو ثقافيا أو دينيا، وتدعو إلى طمأنتهم على مستقبلهم وحقوقهم الكاملة كمواطنين، وأن تجربة ترويعهم وتهجيرهم القسري تحت روسيا السوفياتية لن تتكرر. كما تأمل المنظمة أن يكون في الموقف الروسي في تأييد ودعم حق الروس في شبة جزيرة القرم تقرير مستقبلهم السياسي؛ ما يجعل روسيا تعيد النظر من موقفها تجاه استقلال كوسوفو وأن لا تقف عقبة أمام حق شعب كوسوفو في تقرير مصيره وإعلان إستقلاله ودولته من نفس المنطلق والمبدأ والمنظومة الأخلاقية؛ وأدعو جميع الدول الأعضاء أن تعترف بجمهورية كوسوفو التي اعترفت بها أكثر من مائة من دول العالم، وأقرت بشرعيتها كثير من المنظمات الدولية، وخاصة وأن الموقف الروسي في شبه جزيرة القرم يزيل أي حرج أمام تأييد استقلال كوسوفو التي نأمل أن نراها قريبا عضوا كامل العضوية في المنظمة. إن جهود الأمانة العامة في تنفيذ قرارات القمة والمجلس الوزاري ومتابعتها تسير على قدم وساق في كل الملفات الأخرى: في اليمن والسودان وغينيا والنيجر وسيراليون والكوت ديفوار، وجيبوتي، وجزر القمر؛ وبخصوص الشعوب المسلمة في قبرص والبوسنة. أصحاب السمو والمعالي والسعادة الأخوة والأخوات: إن من المشاغل الأساسية للمنظمة التوجه والتعامل مع ظاهرة الإرهاب؛ وملف التطرف الديني والمذهبي؛ وحقوق الأقليات المسلمة خارج العالم الإسلامي؛ وحقوق الأقليات غير المسلمة في عالمنا الإسلامي؛ ومفاهيم حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل وممارسة الشعائر الدينية، وكل هذه المفاهيم قد أخذت صورة اتفاقيات وإعلانات دولية كبرى يحكم على أساسها على الدول وتدان وتصنف وتوقع بها العقوبات. والمنظمة تدين الإرهاب أينما كان، وتؤكد كما تؤكد كل الاتفاقات والقرارات الدولية بهذا الشأن أن الإرهاب لا دين له ولا جنسية ولا مذهب ولا لون ولا عرق. بل هو ظاهرة ينبغي محاربتها والتصدي لها أينما كانت، ومن أي مصدر أتت. وعليه فإن المنظمة ترفض وتدين كل من يحاول إلصاق صفة الإرهاب بالدين الإسلامي الذي يعتنقه نحو بليونين من البشر على امتداد العالم بقاراته وبحاره. وتلاحظ الأمانة العامة بكثير من الإستغراب والإستنكار ما بدأ يظهر من تطاول على الإسلام والمسلمين من بعض القادة الأوروبيين، وتدعوهم على أن ينظروا بين ظهرانيهم قبل أن يتهموا الإسلام بالعنصرية والنازية وارتكاب المجازر في حق الآخرين. وإن كان بعض هؤلاء القادة قد اختاروا الإرتماء في أحضان نظام "الأبارتايد" الذي تمثله الحكومة الإسرائيلية الحالية، فهذا شأنهم وخيارهم وقرارهم، على أن لا يزجوا بالإسلام والمسلمين في ولههم بالتطرف الصهيوني الإسرائيلي. وقد طالبت الأمانة العامة من رئيس جمهورية التشيك الإعتذار من تصريحاته التي وصفت المسلمين من الشمال الإفريقي إلى إندونيسيا بأنها منطقة يعيش فيها ملايين من البشر الذين تجمع بينهم الكراهية والعداء والحقد لحركة التطور وللإنسانية، ورمتهم بالنازية والعنصرية. كما أن الأمانة العامة تستدعي وقفة واحدة من الدول الأعضاء لمواجهة الخلاف المذهبي الذي أخذ يطل برأسه على أكثر من ساحة، مسببا الصدام والعنف بين الإخوة في الإسلام، متناسين أن الإسلام جاء في كتاب واحد على رسول واحد صلى الله عليه وسلم، وأنشأ حضارة واحدة أسست للمدنية الإنسانية كما نعيشها اليوم. فالخلاف والاقتتال والسياسات المذهبية، ليس فقط خيانة لرسالة الإسلام ومبادئه الكبرى، ومقاصده العظيمة، ولكونه الرسالة التي وُجِّهت لكل البشر، والدين الخاتم الصالح لكل زمان ومكان؛ بل هو أيضا إذعان لكل تلك القوى التي أطلقت وشجعت وصنفت المسلمين على أساس المذهب. ومن يشجع ويستخدم المذهب كطريق لتكريس النفوذ السياسي، لا يخدم فقط من يخطط لتشويه الإسلام وإضعافه وإنهاكه وتفكيكه من داخله، بل يعمل أيضا على ساحة لا منتصر فيها، بل الجميع مهزومون. والمنظمة تتابع أيضا شؤون الأقليات المسلمة على امتداد العالم، سواء تلك التي تكونت من المهاجرين إلى أنحاء أوروبا، أو من أولئك الذين اعتنقوا الإسلام داخل أوطانهم الأصلية، أو تلك التي وجدت نفسها داخل تكوينات سياسية كبرى تضمها مع أصحاب المعتقدات والأعراق الأخرى. فالمنظمة، كما نعرف جميعا، وكما هي الممارسة الإسلامية على امتداد التاريخ، تدعو الجميع إلى الانفتاح والتعايش والانخراط في إعمار الكون. ولا يدعو الإسلام إلى جعل الدين بديلا عن المواطنة، بل ولا يجد تناقضا أو تنافرا بينهما؛ ولكنه وفي ذات الوقت، فإن للمسلمين أينما كانوا حقوقهم الدينية والثقافية واللغوية والاجتماعية التي يجب علينا جميعا أن نرفض أن تكون محل امتهان أو تهميش أو إقصاء أو إذابة أو انتهاك. ومحاربة الإرهاب، ومواجهة الاقتتال المذهبي، والتصدي لحملات الإساءة على الإسلام، والدفاع عن حقوق الأقليات المسلمة، يدعونا جميعا إلى أن يكون لعالمنا الإسلامي، ولأمتنا الإسلامية، ولمنظمة التعاون الإسلامي مفاهيمنا الموضوعية المعاصرة، وخطابنا الواعي المعمق والمدروس لماهية الإنسان وحقوقه وصفات الحكم الرشيد. وقد أنشأت مؤتمرات القمة الإسلامية، واجتماعات المجلس الوزاري عددا من الوسائل والآليات: منها مجمع الفقه الإسلامي الدولي، ومرصد الإسلاموفوبيا، واللجنة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان؛ وإعلانات حقوق الإنسان والمرأة والطفل في الإسلام، وإنشاء وحدة للوساطة والسلام والأمن وغيرها، لتتمكن المنظمة من تحقيق دورها في هذه المجالات. كما تبنت القمة الإستثنائية الأخيرة التي عقدت في مكة المكرمة في عام 1433هـ الموافق (2012م)، وبالإجماع اقتراح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بإنشاء "مركز للحوار بين المذاهب من أجل كلمة سواء". وكل هذه الأدوات والوسائل بحاجة إلى أن ندفع بها، ونهيء لها المكانة والإمكانية والاستقلالية لتؤدي بحق الغرض الذي أُنشئت من أجله. أصحاب السمو والمعالي والسعادة الأخوة والأخوات: إن مهام ومسؤوليات منظمة التعاون الإسلامي كما حددها ميثاقها، وكما شكلتها قرارات القمة والمجلس الوزاري، وكما جاءت في خطتها العشرية، لا تتناول الشأن السياسي من حيث هو فقط، بل أيضا من منطلق مكوناته ومؤثراته ومحدداته وتربته الاقتصادية والعلمية والاجتماعية والثقافية؛ ومن هنا كانت توجهات وأهداف المنظمة في كل هذه الأبعاد. وعلى الجانب الاقتصادي، يظل بنك التنمية الإسلامي قائما بعمله الرائد في دعم وتمويل مشاريع التنمية الاقتصادية والبنية الأساسية، ودعم المتطلبات المجتمعية التي لابد منها من أجل تحقيق تنمية مستدامة في الدول الأعضاء. وتعمل الأمانة العامة بشكل وثيق مع قيادات الــبنك، وعلى رأســها معالــي الدكتــور أحمد محمــد علــي الــذي يكـــن لــه الجميع الاحـــترام والتقدير والإعجــاب، لتحقيق توســع أكــبر في مجـــال القروض الصـــغيرة، أو ما يعـــرف بالـMicro Economic وذلك بالتنسيق والتعاون مع الدول الأعضاء صاحبة التجربة في هذا النوع من التمويل حتى تصل إلى نموذج عملي وشفاف ومرن لعمليات التمويل الصغيرة التي لا تشمل فقط قروضا مالية فحسب، بل وسائل الدعم في إنشاء الأعمال الصغيرة، والبدء بها وتفهم طبيعة أسواقها، والحصول على التدريب اللازم وبناء القدرات الذي تتطلبه إدارتها. ومثل هذه القروض تسري في شرايين المجتمع وتنعشه وتبعث الأمل والتفاؤل والاستقرار والطمأنينة في النفوس وتجعلها أكثر تشبثا بالسلم الاجتماعي؛ كما أن في القروض الصغيرة وسيلة ناجعة في مواجهة البطالة، والفقر، وتهميش المرأة. كذلك نعمل مع البنك سويا للإعداد لإستراتيجيات مشتركة بين الدول الأعضاء التي تتماثل في بعض منتجاتها مثل القطن، بهدف أن يكون في السعي نحو التكامل وتبادل الخبرات وتعظيما للفائدة والعائد. كما أن الأمانة العامة تدفع بفكرة إنشاء شركات استثمارية وإنتاجية مشتركة بين الدول الأعضاء على نحو الشركات متعددة الجنسية، نأمل أن يكون لها القدرة على التنافس في استثمار الموارد الطبيعية والبشرية بين الدول الأعضاء وتحمي ثروات بعض الدول من الاحتكار الأجنبي الصرف الذي هو في بعض الأحيان امتداد لنفوذ استعماري مباشر سابق. كما تسعى الأمانة العامة لتحقيق إطار أكثر وضوحا فيما يخص معايير الأغذية الحلال واعتماد وإصدار الشهادات استنادا إلى معايير وقواعد منظمة التعاون الإسلامي للأغذية الحلال، حتى لا يصبح هذا المجال الهام والمربح دون بيئة تنظيمية تحكمه وتقننه. من جهة أخرى، يتطلب منا النشاط الاقتصادي أن نقدم على تبني الأدوات والوسائل والقنوات التي تم الاتفاق عليها والبدء فيها، لتشجيع التبادل التجاري البيني، وتعميق الشراكة مع القطاع الخاص وذلك للمساهمة في جهود التخفيف من حدة الفقر واستخدام الموارد وبناء القدرات. أما على الصعيد الإنساني، فإننا سنعمل على تعزيز أنشطتنا الإنسانية في العالم الإسلامي وحشد الطاقات لزيادة الدعم الإغاثي في البلدان والمناطق المحتاجة، انطلاقا من روح التضامن الإسلامي لصالح المسلمين في كل الدول الأعضاء وغير الأعضاء في المنظمة. وحتى يتسنى لنا الاضطلاع بدورنا كاملا في هذا المجال، فإننا نتطلع إلى دور الصناديق العاملة داخل منظومة المنظمة، والتي تعمل جميعها في المجال الإنساني والتنموي، ولكنها تعاني من مشاكل مزمنة تتمثل في ضعف الميزانيات، وبالتالي غياب تأثيرها على الأرض في مناطق الأزمات، بجانب عدم وجود سلطة إدارية من الأمانة العامة عليها. ومع اتساع حجم التحديات التي تواجهها الدول الأعضاء في المجال الإنساني والتنموي، ينبغي إعادة النظر في دور هذه الصناديق جميعها، وذلك بمنحنا التفويض لإعادة ترتيب آليات المنظمة في المجال الإنساني والتنموي ورفع تصورنا في هذا الصدد لمعالي السادة الوزراء في الدورة القادمة لمجلس وزراء الخارجية. أصحاب السمو والمعالي والسعادة الأخوة والأخوات: إن كثيرا من التحديات ذات الطابع السياسي التي تواجه الدول الأعضاء، تحمل في طياتها متطلبات المعرفة والثقافة والقدرة على الإبتكار. فالنقاش حول الطاقة، والبيئة، والدفاع، والمياه، والتصحر، والزراعة والصناعة، لا يمكن فهمها دون قاعدة علمية وتقنية صلبة، ودون القدرة على الإبتكار ومجاراة العالم في تقدمه التقني، وإلا أصبحنا رهينة لغيرنا. والأمانة العامة تعمل، وفق قرارات القمة والمجلس الوزاري لتنشيط التعاون بين الدول الأعضاء، وفتح آفاقه والولوج في تفاصيله. ونتطلع باهتمام كبير للقمة الإسلامية الخاصة بالعلوم والتقنية التي ننتظر انعقادها في المستقبل القريب في الباكستان، ونأمل أن تتاح للأمانة العامة فرصة التنسيق الأكبر مع القائمين على الإعداد لهذه القمة. والحديث عن التقنية والعلوم والمعرفة لا يكتمل، ولا يتأتى تنفيذه دون مؤسسات تعليمية عصرية وقادرة. وقد كانت قرارات القمة في إنشاء جامعات في أوغندا، والنيجر، وبنغلاديش من أكثر القرارات ريادة وبعد نظر. وأصبحت هذه الجامعات اليوم ثغورا للعلم في أقاليمها، ونماذج حيه فاعلة مؤثرة في الارتباط بين الإسلام والعلم والمعرفة، وذلك اعتبارا للمهمة النبيلة الموكلة إليها في مجال التكوين الفكري والعلمي وتأطير الشباب الذي يشكل مستقبل وآمال دولنا جميعا. وهذه الجامعات الثلاث في حاجة إلى دعم عاجل إلى حين اكتمال مشاريع أوقافها بما يتيح دعم الأنشطة الأكاديمية والإدارية لهذه الجامعات لكي تتمكن من مواكبة الجامعات الأخرى في العالم والاستجابة لمتطلبات العصر الحديث. ونود أن نعرب عن شكرنا وتقديرنا لكل من قدم المساندة والدعم لهذه الجامعات، الأمر الذي ساهم في تحقيق إنجازات هامة تمثلت في ارتفاع عدد الطلاب وزيادة البرامج الأكاديمية وتنوع مجالات الدراسة، علما بأن هذه الجامعات تقدم خدماتها إلى جميع دول الجوار. ونثق بأن هذا الدعم سيتواصل من جميع الدول والمؤسسات، خاصة وأن إجماليه لا يتعدى العشرين مليون دولار سنويا فقط للسنوات الخمس القادمة. كما أننا حين نتحدث عن عالم اليوم الذي تسيّره العلوم والتقنية والإبتكار، يتحتم علينا الإشارة إلى مجال الفضاء الإلكتروني (Cyberspace)، وهو مجال يجب أن نحميه من الجهات التي تريد أن تستغله لصالحها في إطار أسماء النطاقات العليا للانترنت ذات الهوية الإسلامية مثل (.Islam) و(.HalaL) وما يستجد من مسميات مماثلة في المستقبل. والتي قد يكون لها حساسيات واعتبارات دينية والتي يتم التداول حولها في اجتماعات شركة الانترنت المعنية بالأسماء والأرقام (ICANN)، ونسعى إلى تشكيل فريق عمل متخصص من الدول الأعضاء لمتابعة هذا الموضوع الهام. أصحاب السمو والمعالي والسعادة الأخوة والأخوات: اختتم كلمتي بالحديث عن الثقافة، فالمجتمعات والشعوب تعبر عن إنسانيتها ومدارج هويتها، ونظرتها للإنسان والمجتمع والحياة من خلال إنتاجها الثقافي من آداب وفنون وإبداعات تقليدية. كل مجتمع له وجه وله صوت وله حكاية. ونحن في نهاية المطاف نتاج ثقافة ما وسماتنا تتكون عبر منتوجنا الثقافي، ومعرفتنا بالآخر تتم عبر التبادل الثقافي معه. لذا فإن تشجيع الإبداع، وفتح الأبواب أمام التبادل الثقافي، ودعم كل إنتاج ثقافي يؤصل للهوية ويحميها هو ما تسعى له الأمانة العامة في كل صورة ممكنة، ونعمل مع البنك الإسلامي للتنمية لإنشاء صندوق لدعم النشاط الثقافي، وخاصة بين المبدعين الشباب، كما نعمل على تعميق وتوسعة مجالات التبادل الثقافي بين الدول الأعضاء، حتى نرسخ المشترك بين شعوبنا التي تجمعها ثقافة وحضارة الإسلام، هذا المشترك الذي يزداد قوة عبر تنوعه وثراءه وإبداعاته التي لا تعرف حدا. أصحاب السمو والمعالي والسعادة الأخوة والأخوات: إن الثمرة المرجوة من العمل المشترك في سياق منظمة التعاون الإسلامي تلوح أمامنا ناضجة، تنتظر قطافها. وإيمانكم بهذه المنظمة، وقناعتكم بأهدافها، وعملكم لضخ الدفء والحيوية في أوصالها، هو طريق ذلك القطاف. وفقنا الله جميعا لما يحبه ويرضاه. وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى جميع الرسل والأنبياء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بيانات أخرى

No press releases assigned to this case yet.

مؤتمر بالفيديو لبحث آثار جائحة كورونا على جامعات منظمة التعاون الإسلامي


صندوق التضامن الإسلامي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي يسلم الدفعة الأولى من الدول الأعضاء الأقل نموا منحة مالية عاجلة لمواجهة تداعيات كورونا


العثيمين: وكالات الأنباء في دول "التعاون الإسلامي" تدحض الأخبار الزائفة في جائحة كورونا


مواصلة لجهود المنظمة في مواجهة جائحة كورونا المستجد صندوق التضامن الإسلامي يشرع في إجراءات تقديم منحة مالية عاجلة للدول الأعضاء الأقل نموا


البيان الختامي للاجتماع الطارئ الافتراضي للجنة التنفيذية لمنظمة التعاون الإسلامي المعقود على مستوى وزراء الخارجية حول الآثار المترتبة عن جائحة مرض كورونا المستجد (كوفيد-19) والاستجابة المشتركة لها


وزراء خارجية اللجنة التنفيذية: تعزيز الإجراءات الوطنية لدول "التعاون الإسلامي" للتخفيف من وطأة تداعيات وباء كورونا المستجد


مجمع الفقه التابع لمنظمة التعاون الإسلامي يصدر توصيات ندوة "فيروس كورونا المستجد وما يتعلق به من معالجات طبية وأحكام شرعية"


منظمة التعاون الإسلامي ترفض استهداف المسلمين من طرف بعض الأوساط في الهند في ظل ازمة جائحة كورونا


العثيمين يدعو إلى اللجوء لأحكام فقه النوازل وحفظ النفس في محاربة وباء كورونا المستجد


العثيمين يخاطب ندوة مجمع الفقه الإسلامي الدولي حول الأحكام المتعلقة بانتشار جائحة كورونا


البيان الصادر عن الاجتماع الطارئ للجنة التوجيهية لمنظمة التعاون الإسلامي المعنية بالصحة بشأن جائحة كورونا


العثيمين يدعو الاجتماع الافتراضي بشأن كورونا المستجد للعمل الجماعي في مواجهة الجائحة


كتاب اليوبيل الذهبي لمنظمة التعاون الإسلامي

المؤتمر الدولي للعلماء المسلمين حول السلم والأمن في أفغانستان