التاريخ: 24/11/2009
القاهرة، 23 – 25 نوفمبر 2009 بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه السيدة الفاضلة سوزان مبارك حرم السيد رئيس جمهورية مصر العربية ، أصحاب المعالي الوزراء ، أصحاب السعادة السفراء، السيدات والسادة، أود أن أعرب لكم بداية عن سعادتي الغامرة لوجودي مرة أخرى على أرض الكنانة، ويطيب لي أن أتقدم ببالغ الشكر والامتنان إلى السيدة الفاضلة سوزان مبارك، حرم السيد رئيس جمهورية مصر العربية، وإلى حكومة جمهورية مصر العربية على تفضلها بالدعوة لعقد هذا المؤتمر الدولي الهام لدراسة موضوع حقوق الطفل، ومدى ما تمّ في موضوع تطبيق اتفاقية حقوق الطفل التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 20 نوفمبر 1989، والتي دخلت حيز التنفيذ ابتداءً من 2 سبتمبر 1990م. وإنّ تفضل السيدة الفاضلة سوزان مبارك برعاية هذا المؤتمر يحفزنا إلى التفاؤل بأن نتائج مؤتمرنا هذا ستكون نتائج هامة وإيجابية، لما عرف عنها من اهتمام بالغ بالشؤون الاجتماعية، وحرص على رعاية الأسرة، وايلاء عناية فائقة لشؤون الطفل، والدفاع عن حقوق المرأة، وتمكين النساء من حقوقهن كاملة، لأن إشراك المرأة في المسؤولية وإدارة الشأن العام أمرٌ جوهري لنهضة المجتمع وعامل أساسي في تحقيق التنمية البشرية. السيدات والسادة، لقد تنبهت المجموعة الدولية في الثمانينات من القرن الماضي إلى المآسي العديدة والمصاعب التي يعيشها الأطفال في مناطق كثيرة من العالم، من استغلال بشع لضعفهم، وانتهاك حقوقهم الأساسيّة. وقد تنادى العديد من الساسة لوضع ضمانات تصرف عن هذه الفئة من المجتمع عوامل الاستغلال والحيف، وتفرض لهم حقوقاً تعينهم على تنشئة حميدة وتهيء لهم ظروف حياة سويّة، ومستقبلاً يفيدهم ويفيد مجتمعاتهم. وقد نجح هذا الجهد الدولي بإقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل عام 1989 والتي أقرّت حقوق الإنسان الأساسية التي ينبغي أن يتمتع بها الأطفال في كل مكان، ودون تمييز. وأهم هذه الحقوق، حق الطفل في البقاء والنمو والتطور إلى أقصى حدّ، والحماية من التأثيرات المضرة، وسوء المعاملة والاستغلال، والمشاركة الكاملة في الأسرة، وفي الحياة الثقافية والاجتماعية. وتعتبر اتفاقية الطفل اليوم، الصكّ القانوني الدولي الأوّل، الذي يلزم الدول الأطراف من ناحية قانونية بدمج السلسلة الكاملة لحقوق الإنسان أي الحقوق المدنية والسياسية، إضافة إلى الحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. واتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، ليست المنطلق الأوّل لحقوق الطفل في العالم، فقد تضمّن التشريع الإسلامي منذ أربعة عشر قرناً حقوقاً للطفل تكاد تكون متماثلة مع الحقوق التي تضمنتها المعاهدات الحديثة والوضعية، بل وتفوقها في بعض المسائل. وقد جعل الإسلام الأسرة محضناً للطفل، والبيئة الطبيعية اللازمة لرعايته وتربيته وتهذيبه، كما جعل للطفل حقاً أصيلاً في الحياة منذ بدء تخلّقه. ومن حق الطفل في الإسلام الانتساب إلى أبيه وأمّه الحقيقيين، والميراث والوصية والوقف والهبة، وأهليته في التصرف بحقوقه وأمواله حينما يصل إلى مرحلة البلوغ. ومن حقوقه كذلك، الحماية من جميع أشكال الاستغلال الجسدي أو الانتهاك الجنسي، أو الاستغلال الاقتصادي. ومن المؤسف أنه مع وجود التصديق شبه العالمي على هذه الاتفاقية، فإن أطفال العالم مازالوا يعانون من الفقر والتشرد وسوء المعاملة والإهمال والاستغلال والتلوث البيئي والأمراض التي يمكن الوقاية منها، وعدم المساواة في توفير فرص التعليم وعدم الاعتراف بحاجاتهم الخاصّة. وهذا واقع ماثل يشمل بلدان العالم أجمع. والمصادقة على الاتفاقية تعني ضرورة التزام الدول بمقتضياتها وترجمة ذلك إلى أفعال عن طريق وضع القوانين والبرامج السياسية. وهذا ما نحتاج إلى دراسته في هذا المؤتمر لتبادل الرأي بشأن العقبات التي تحول دون تنفيذ الاتفاقية، وكيفية تخطي هذه العقبات. وتقوم منظمة اليونيسيف بجهد مشكور في تقديم الدعم الضروري لضمان تنفيذ هذه الاتفاقية، بمساعدة منظمات دولية أخرى. وعلينا الاعتراف بأن واقع الأطفال في العالم الإسلامي يتطلب تحركاً جاداً من طرف دول منظمة المؤتمر الإسلامي لوضع التزاماتها في هذا الشأن موضع التنفيذ، وللارتقاء بأوضاع الطفل الذي يشكل طليعة مستقبل الأمة، وصانع غدها، حتى يتسنى لنا استكمال تنفيذ ما نصّ عليه العهد، ومن بينها إنشاء اللجنة الإسلامية لحقوق الطفل. أصحاب المعالي والسعادة، حضرات السيدات والسادة، أمّا موضوع بحث تطبيق الدول الإسلامية لاتفاقية حقوق الطفل فإنه أمرٌ مهم جداً لأن عدد الأطفال في العالم الإسلامي يتجاوز حالياً 600 مليون طفل، أي ما يزيد عن 40 في المائة من تعداد المسلمين، وما يقارب ربع أطفال العالم. وبالرغم من الجهود التي تبذلها الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي في رعاية الأطفال وحمايتهم، فإن ما يقرب من أربعة ملايين ونصف مليون طفل دون سن الخامسة يموتون سنويا بسبب الأمراض وسوء التغذية، ولا تزال نسبة التحاق الأطفال بالتعليم الابتدائي أدنى بكثير من المستويات المطلوبة في العديد من الدول الأعضاء. وعرفت منظمة المؤتمر الإسلامي تطوراً كبيراً في تعاملها مع قضايا حقوق الإنسان عامة. ومن ضمنها حقوق الطفل ابتداءً من سنة 2005. ففي تلك السنة قام مجلس وزراء الخارجية المنعقد في صنعاء في اليمن باعتماد عهد حقوق الطفل في الإسلام، الذي كان ثمرة عمل الفريق الحكومي المعني بحقوق الإنسان، بهدف صيانة حقوق الطفل في العالم الإسلامي والارتقاء بها إلى المستوى الدولي، كما يضيف إليها الكثير مـن الأحكام والمبادئ المستوحاة من الدين الإسلامي الحنيف الذي يحيط الطفولة ببالغ الاهتمام ومنتهى الرعاية، كما سبقت الإشارة إليه. كما عرفت منظمة المؤتمر الإسلامي نقطة تحول أخرى بالغة الأهمية في الاهتمام بحقوق الإنسان خلال القمة الاستثنائية الثالثة التي عقدت بمكة المكرمة في شهر ديسمبر سنة 2005 حيث تم اعتماد برنامج العمل العشري للمنظمة، الذي أولى اهتماماً فائقاً لقضايا حقوق الإنسان بشكل غير مسبوق في المنظمة على امتداد تاريخها الطويل. ونص برنامج العمل العشري تحت عنوان" حقوق الإنسان والحكم الرشيد" لأول مرة على السعي الحثيث إلى توسيع نطاق المشاركة السياسية وضمان المساواة والحريات المدنية والعدالة الاجتماعية وتعزيز الشفافية والمساءلة والقضاء على الفساد في دول منظمة المؤتمر الإسلامي. ودعا برنامج العمل العشري المؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية لدراسة إمكانية إنشاء هيئة مستقلة دائمة لتعزيز حقوق الإنسان في الدول الأعضاء ولوضع ميثاق إسلامي لحقوق الإنسان وإدخال تعديلات على القوانين والأنظمة الوطنية لضمان احترام حقوق الإنسان في الدول الأعضاء، وتكليف الأمانة العامة بالتعاون مع غيرها من المنظمات الدولية والإقليمية لضمان حقوق المجتمعات المسلمة في الدول غير الأعضاء في المنظمة. وفي مجال حقوق المرأة واحتياجات الشباب والعائلة في العالم الإسلامي، دعا البرنامج العشري إلى تعزيز القوانين الرامية إلى النهوض بالمرأة في المجتمع المسلم في المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية، والسعي إلى توفير تعليم أساسي مجاني وذي نوعية جيدة لجميع الأطفال. كما دعا إلى تعزيز القوانين الرامية إلى الحفاظ على رعاية الأطفال وتمتعهم بأعلى المستويات الصحية الممكنة، واتخاذ تدابير فعالة للقضاء على شلل الأطفال وحمايتهم من جميع أشكال العنف والاستغلال. كما حرص البرنامج على تشجيع الدول الأعضاء على التوقيع والمصادقة على عهد منظمة المؤتمر الإسلامي الخاص بحقوق الطفل في الإسلام واتفاقية الأمم المتحدة حـول حقوق الطفل والبروتوكـولات الاختيارية الملحقة بها، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والبروتوكول الملحق بها المتعلق بحقوق الطفل. ونصّ البرنامج أيضاً على إيلاء الاهتمام بالأسـرة كنـواة أساسية للمجتمع المسلم، وإنشاء إدارة معنية بشؤون الأسـرة في إطار إعادة الهيكلة في الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي. وتعزز هذا الاتجاه كذلك بما ورد في الميثاق الجديد للمنظمة من تهيئة الظروف الملائمة لتنشئة الطفولة والشباب المسلم تنشئة سليمة، وغرس القيم الإسلامية فيه من خلال التربية، وتعزيزاً لقيمه الثقافية والاجتماعية والأخلاقية والخلقية. كما تضمن الميثاق الجديد إنشاء جهاز جديد خاص بحقوق الإنسان ضمن أجهزة المنظمة، وهو الهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان. وقد دعونا إلى اجتماع لفريق الخبراء الحكوميين للعمل على إنشاء هذه الهيئة التي تمت صياغة مشروع نظامها الأساسي، وينتظر أن يفرغ الفريق من دراسة هذا الميثاق خلال هذه السنة تمهيداً لرفعه إلى مجلس وزراء الخارجية في دورته القادمة. وسيمكن هذا الجهاز من تزويد منظمة المؤتمر الإسلامي بجهاز جديد وآلية مهمة لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في الدول الأعضاء في المنظمة. حضرات السيدات والسادة، ولا يفوتني في إطار رصد الجهود المبذولة من طرف منظمة المؤتمر الإسلامي لحماية الطفولة الإشارة إلى أن هذه الجهود لا يمكن أن تؤتي أكلها دون الاهتمام بتنمية المرأة المسلمة. وفي هذا الصدد أود أن أنوه بالجهود التي تبذلها جمهورية مصر العربية من أجل إنشاء منظمة متخصصة لتنمية المرأة في الدول الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي. ويسعدني في هذه المناسبة أن أخبركم أن فريق الخبراء القانونيين الحكوميين لمشروع النظام الأساسي لمنظمة تنمية المرأة الذي تقدمت به جمهورية مصر العربية، قد اعتمد هذا المشروع وسيأخذ الآن مجراه، ليصل إلى مجلس وزراء الخارجية في دورته المقبلة. ولاشك أن إنشاء الهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان ضمن أجهزة المنظمة، وإنشاء منظمة لتنمية المرأة تحت مظلة منظمة المؤتمر الإسلامي، سيكون لهما دور كبير في تعزيز وحماية حقوق الأطفال في العالم الإسلامي وإحاطتهم بالعناية والرعاية المطلوبة. ومن أجل جعل دول العالم الإسلامي في مصاف الدول المشهود لها باحترام حقوق الطفل في العالم، فإنه ينبغي أن تتضافر جهود مخلصة لعل أهمها قيام شراكات بين حكومات الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، تؤازرها جهود القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية، والمجتمع المدني بهدف توفير الموارد المالية، والخبرات الفنية والتعليمية والاجتماعية لتحسين أوضاع الأطفال في العالم الإسلامي بصورة ملموسة، داعياً الله في الختام أن يٌتوّج مؤتمركم هذا بالتوفيق لما فيه خير شعوبنا ودولنا، وأجيالنا الصاعدة. والآن يشرفني باسم منظمة المؤتمر الإسلامي، أن أقوم بواجبٍ محبّب إلى نفسي، وهو إبداء ما تستشعر به المنظمة نحو السيدة الفاضلة سوزان مبارك، من تقدير كبير، وعرفان بالغ، ووفاء لما قامت به من جهود حميدة موفقة، وخدمات جلّى في رحاب ميدان الطفولة الواسع. فقد اتسعت أنشطتها في هذا المجال، إذ لم يقتصر حدبها ورعايتها على الطفل المصري، بل تعدّاه ليشمل الطفل العربي، والطفل الإفريقي، ثم دخل باب العالمية من أوسع أبوابه. وقامت أيضا بجهود مشكورة في صدور وثيقة الأمم المتحدة المسماة "عالم جدير بالطفل" حيث كان لاتصالاتها الدولية الواسعة، واتصالاتها على المستويين العربي والإفريقي بالخصوص، أثر كبير في حشد التأييد لإقرار هذه الوثيقة التي لها انعكاسات إيجابية كبرى على نشأة الطفل، ورعايته، والحفاظ على مصالحه. ونسجل لها عملها الدائب في إنشاء وقيادة "حركة سوزان للمرأة والسلام"، التي تكرس دور المرأة الأساسي في المجتمع وفي ميدان التنمية البشرية والنهضة والتقدم. كما نقدّر لسيادتها دورها الرائد في التصدي لما يعرف بالاتجار بالبشر، والذي يذهب ضحيته غالبا الأطفال والقاصرون. وكل ما سبق غيض من فيض من هذا الجهد النبيل الإنساني الكبير الذي كرست له السيدة الفاضلة سوزان مبارك قسطا كبيرا من وقتها وجهودها، بهدف حسن نشأة الطفل وتربيته وتعليمه والعناية بصحته. والطفل كما يعرف الجميع طليعة مستقبل الأمة، وصانع غدها. ومن هذا المنطلق، قررت منظمة المؤتمر الإسلامي أن تقدم للسيدة الفاضلة سوزان مبارك درع المنظمة، تقديراً لعطائها الإنساني، وجهدها الاجتماعي المؤثر، راجين لها مزيداً من النجاح والتألق والتوفيق في هذا المجال، مجال التعاطف الإنساني، وبناء المستقبل، ونهضة الأمة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.