التاريخ: 05/09/2015
إن جثمان الطفل الصغير إيلان، الذي ألقت به الأمواج على الساحل جثة هامدة، قد عطل لغة الكلام وأخرس كل الألسنة،وذلك حتى يذكرنا بحجم المأساة الإنسانية الكبرى التي كابدها ولايزال يكابدها هو ومئات الآلاف من السوريين، أطفالاً ورجالاً وشباباً وشياباً. فقد أرغموا، شأنهم في ذلك شأن العديد من أبناء بلدهم الآخرين، على الانطلاق في رحلات غاية في الخطورة والصعوبة، آملين في الحصول على حياة تحفظ أمنهم وكرامتهم في كنف أسرهم وأحبابهم. إن معاملة اللاجئين بطريقة غير التي تحفظ كرامتهم والتي تعاملهم بالرحمة والشفقة، عمل يؤلم ضمير الإنسانية. إن اللاجئين السوريين الذين قضوا نحبهم في عرض البحر المتوسط أو قضوا اختناقا داخل شاحنة لتهريب البشر في النمسا، ليس من بينهم شخص واحد مسؤول عن اندلاع الأزمة السورية أو عن إخفاق جهود إيقافها. لكنهم، مع ذلك، ومازالوا يعتبرون الضحايا المباشرين لهذه الأزمة ولفشل المجتمع الدولي، وخاصة أعضاء مجلس الأمن وبلدان المنطقة في إيجاد حل لها. وبالتالي فإن هذا الوضع يجب ألا يستمر ولا ينبغي له. إن إنسانيتنا هي التي تغرق في ثنايا أمواج البحر المتوسط، وقيمنا ومبادئنا وكرامتنا الإنسانية هي التي تقضي اختناقاً. ومن ثم يجب علينا أن نضع حداً لهذه المأساة على الفور. وإنني، إذ أقر بالموقف الإيجابي وبالجهود التي تبذلها بعضالبلدان الأوروبية، لأدعو كافة الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي والمجتمع الدولي برمته إلى وضع الخلافات جانباً وحشد جميع الجهود لمساعدة أبناء الشعب السوري ولاجئيه. إن هذه الأزمة ليست أزمة سورية أو شرق أوسطية أو أوروبية أو إسلامية، بل هي أزمة إنسانية عالمية تروح ضحيتها أرواح بشرية غالية. إن منظمة التعاون الإسلامي، ومنذ البداية، ما فتئت تتابع،وببالغ القلق، تفاقم المأساة الإنسانية للاجئين السوريين الفارين من ديارهم طلبا للجوء إلى دول الجوار. وتتحمل العديد من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، ومن أبرزها تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر، العبء الأكبر لتدفق اللاجئين من سوريا، وخصصت جميعها موارد ضخمة لإيواء أكثر من أربعة ملايين منهم فوق أراضيها. كما تسعى المنظمة جاهدة،وبالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ومع غيره من الشركاء الإنسانيين، إلى مد يد العون لضحايا النزاع في سوريا. إلا أن سرعة تفاقم أزمة اللاجئين السوريين وتعرضهم للوصم من طرف البعض بسبب الدين، أو للمنع من الدخول أو التجاهل معاً من طرف آخرين، كل ذلك يحتم علينا بذل المزيد من الجهود والعمل سوية في هذا الصدد. إن العالم يشهد حقبة تعصف بها الاضطرابات والنزاعات التي أسفرت عن ظهور ما تصفه الأمم المتحدة بأكبر تجمع للاجئين ولطالبي اللجوء والنازحين منذ ويلات الحرب العالمية الثانية. ويعتبر ذلك نتيجة حتمية لإخفاق المجتمع الدولي في إيجاد حل للأزمة السورية ولغيرها من الأزمات السياسية الأخرى وكذا لعجز بعضنا عن معالجة قضايا الفقر والتهميش واليأس. إنني، إذ يساورني الشعور بالجزع إزاء الطبيعة الاستعجالية لهذه المأساة، لأناشد المجتمع الدولي برمته أن يسقط كل الاعتبارات من حساباته، باستثناء "الروح الإنسانية" و"الكرامة الإنسانية"، في معالجته لأزمة اللاجئين السوريين. وأود كذلك أن أذكّر كل البلدان بالتزاماتها الأخلاقية والقانونية بموجب القانون الدولي بمساعدة هؤلاء اللاجئين اليائسين. وأود، بكيفية خاصة، أن أعلن عن استعداد منظمة التعاون الإسلامي للتعاون مع الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء ومع غيرهم من الشركاء الآخرين بغية تسهيل جهود توطين اللاجئين السوريين وإعادة توطينهم وإدماجهم داخل الأماكن التي يمكنهم العيش فيها بأمن وكرامة. ولكي يتسنى وقف هذه المأساة الإنسانية الكبرى في عصرنا،بكل تجلياتها وأسبابها العميقة، يجب علينا العمل سوية وعلى وجه السرعة.
قضايا متعلقة: سوريا